الرئيسية / الأسرة المسلمة / من تاريخ الأمة الإسلامية ذات الصواري
من تاريخ الأمة الإسلامية ذات الصواري

من تاريخ الأمة الإسلامية ذات الصواري

كان وقع ذات الصواري على الروم كوقع معركة اليرموك ،فكانت “ذات الصواري” هي “اليرموك البحرية” كان الفاتح الكبير القائد الإسلامي عبد الله بن سعد بن أبي السرح واقفا على سطح مركبه البحري يشاهد الأسطول الروماني الضخم المقبل عليه ، محاولا تخمين عدد سفن العدو ، استقر ذهنه أن العدد
بين السبعمائة إلى الألف مركب ، و كان هذا العدد بمقاييس ذلك العصر بل بمقاييس كل العصور رقما كبيرا جدا بل هورقمٌ مخيفٌ إلى أقصى حد ، أضف إلى ذلك المهارة و الخبرة البحرية الكبيرة في علم البحار وفنون الحرب البحرية التي يتمتع بها الجنود الرومان البزنطيون، و كان جيش المسلمين لا يتعدى عدد سفنه في أكثر الأحوال المئتي مركب مع حداثة عهد المسلمين بركوب البحر، فضلا عن القتال فيه و خوض معارك و إجراء مناورات بحرية في مأزق كبير .
لعل كل ذلك قد دار في ذهن “ابن أبي السرح” و هو يشاهد مسرح المعركة التي عرفت في التاريخ بمعركة “ذات الصواري” .كانت المراكب البحرية تستخدم بغرض السفر و التجارة في شبه الجزيرة ، و بدخول جيوش المسلمين للشام و مصر، وجدوا مراكب بحرية حربية في موانئ تلك المناطق، كما قام المسلمون بعد ذلك بإنشاء دور لصناعة السفن الحربية ، و تمّ إنشاء أسطول بحري صغير . ثم قام المسلمون بالخروج في فتوحات إسلامية بحرية صغيرة على الجزر و المدن المطلة على حوض البحر المتوسط ، كل ما سبق شكل أرقاً للإمبراطورية الرومانية التي بدأت تفقد سيطرتها البحرية بعد أن فقدت سيطرتها البرية على الشام و مصر و شمال إفريقيا في فترة وجيزة جدا من الزمن، و كان لزاما وضع حدّ لطموحات الدولة الإسلامية الحديثة ، خصوصا مع اقتراب المسلمين من ساحل الأناضول، المزدحم بغابات السرو الكثيفة وهو الشجر المستخدم في صناعة صواري السفن .فخرج قسطنطين هرقل الروم في قرابة ألف مركب حربي لمواجهة أسطول المسلمين الحربي.
قال المؤرخ “ابن الأثير” : خرج قسطنطين بن هرقل في جمع له لم تجمع الروم مثله مذ كان الإسلام.و يقول المؤرخ “ابن أبي الحكم” : أتى آتٍ إلى عبد الله بن سعد فقال: ما كنت فاعلاً حين ينزل بك هرقل يقصد قسطنطين في ألف مركب فافعله الساعة . أي: أنه يخبره بحشد قسطنطين لأسطوله من أجل ملاقاته ، فقام عبد الله بن سعد بين ظهراني الناس، فقال:
قد بلغني أن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب، فأشيروا عليّ، فما كلّمه رجل من المسلمين، فجلس قليلاً لترجع إليهم أفئدتهم، ثم قام الثانية، فكلمهم، فما كلمه أحد، فجلس ثم قام الثالثة فقال: إنه لم يبق شيء فأشيروا عليّ، فقام رجل من أهل المدينة كان متطوعاً مع عبد الله بن سعد فقال: أيها الأمير إن الله -جل ثناؤه- يقول: كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن اللهِ والله مع الصابرين، البقرة آيه 249 ، فقال عبد الله:
اركبوا باسم الله، فركبوا. يقول الصحابي الجليل مالك بن أوس بن الحدثان: كنت معهم في ذات الصواري، فالتقينا في البحر، فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط، وكانت الريح علينا – أي لصالح مراكب الروم – فأرسينا ساعة،
وأرسوا قريبا منّا، وسكنت الريح عنّا، قلنا للروم: الأمن بيننا وبينكم، قالوا : ذلك لكم ولنا منكم .
كما طلب المسلمون من الروم: إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل حتى يكتب لأحدنا النصر، وإن شئتم فالبحر. قال مالك بن أوس:
فنخروا نخرة واحدة، وقالوا: بل الماء الماء.
و الملاحظ إصرار الروم على القتال البحري لعلمهم بقوتهم البحرية الضخمة و خبرتهم الكبيرة مقارنة بقلة سفن المسلمين و ضعف خبرتهم البحرية ، فأرادوا اختيار نوع ساحة المعركة التي تكفل لهم النصر ، فعندها عمد أمير جند المسلمين “سعد” إلى استشارة المسلمين فأشاروا عليه بخطة عظيمة ، قلبوا بها ما أراده الروم من اختيار ساحة المعركة البحرية لتحقيق نصر مؤكد، أشاروا على “سعد ابن أبي السرح” بأن تربط سفن المسلمين بعضها بعضاً و من ثمّ ترمى خطاطيف ذات السلاسل على سفن الأعداء و يتمّ جرّ تلك السفن لتلتحم بسفن المسلمين ، فحول المسلمون المعركة من معركة بحرية إلى
معركة برية، و قلبوا بهذه الخطة السحر على الساحر . يقول المؤرخ “ابْن الأثير” عن أحداث هذه المعركة : فباتوا ليلتهم والمسلمون يقرؤون القرآن ويصلون ويدعون ، والروم يضربون بالنواقيس. وقربوا من الغد سفنهم، وقرب المسلمون سفنهم، فربطوا بعضها مع بعض واقتتلوا بالسيوف والخناجر، وقتل من المسلمين بشر كثير، وقتل من الروم ما لا يحصى، وصبروا صبراً لم يصبروه في موطن قط مثله، ثم أنزل الله نصره على المسلمين فانهزم قسطنطين
جريحاً ولم ينجُ من الروم إلا الشريد، وأقام عبد الله بن سعد بذات الصواري بعد الهزيمة أياماً ورجع. كانت هذه المعركة فاصلة في تاريخ الأمة الإسلامية ، فقد سيطر المسلمون بعدها على البحر المتوسط لينهوا بذلك عصر السيادة الرومانية البيزنطية في البحر المتوسط. كما أمّن المسلمون هجمات الأسطول الروماني على بلاد المسلمين، بل و امتدت فتوحاتهم لتصل المدن و البلدان المطلة على حوض المتوسط من الجهة الجنوبية لقارة أوروبا، فصار الأسطول الإسلامي سيّد البحر المتوسط ،لا للقرصنة و النهب كما كان غيره، بل الدعوة إلى الله ونشر الحضارة الإسلامية .
بشير الطاهر الجليدي

عقيل بيت العافية

عن إدارة التحرير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى