الرئيسية / الأخبار / معتقل تازما مارت
معتقل تازما مارت

معتقل تازما مارت

هو معتقل سياسي سري سابق ، وكان من بين أشهر
السجون المغربية التي تميزت بالسرية الكبيرة
والتعذيب، يقع على أطراف الصحراء الشرقية المغربية،
فتح في شهر أغسطس من عام 1973 م وأقفل بتاريخ
15 سبتمبر من عام 1991 م ، واستقبل خلال هذه
الفترة عدداً من العسكريين الذين شاركوا في المحاولتين
الانقلابيتين ، الصخيرات عام 1971 م ، ومحاولة
انقلاب أوفقير عام 1972 م ، ثم مع معارضي النظام
الملكي ، من أصحاب الرأي ، خاصة اليساريين منهم ،
وقد تأسس في جوهره على العزلة التامة عن العالم
الخارجي ، وانعدام التواصل بين السجناء ، والحرمان
المطلق من أشعة الشمس ومن الضوء ، واعتماد لغة
واحدة قوامها السب والشتم والضرب والتجويع .
يصفه أحد رواده الذي كتب الله له العمر ليحكي
مأساته بعد خروجه منه ، بأن زنزانات معتقل ” تازما
مارت ” هي في واقع الأمر قبور ، ولكن ليس تحت
الأرض ، وإنما فوق الأرض ، قبور إسمنتية ، مظلمة
على الدوام ليلا ونهارا ، صباحا ومساء ، كما أنه ثلاجة
رهيبة في فصل الشتاء ، وفرن خانق في فصل الصيف ،
يتخلل زنزاناته ضوْءٌ من خلال فتحة لا يتجاوز قطرها
)عشرون سنتيمترا(، في ساحته دفن كل ضيوف جحيم
تازمامارت الذين وافتهم المنية ، وكان أولهم الملازم
طيار )محمد شمسي( الذي كان قويّ الشكيمة والبنة،
ولحقه فيما بعد تسعة وعشرون سجيناً ، ومن عاش
منهم اهترأت عظامه ، وعميت عيونه من شدة ظلمة
هذه الزنزانات .
ومما يذكرعن معتقل تازمامارت ، أن حراسه قد تجردوا
كليا من صفتهم الإنسانية ومن وازعهم الديني، وأنهم
اختيروا للقيام بمهمة وراء الشمس ، وقد كان عددهم
عشرين شخصا لم يستبدلوا طيلة عمر المعتقل .
ومن أبرزما ابتدعه التازمامارتيون للتنفيس عن
أنفسهم ، كانت ” اللغة التازمامارتية ” التي استعملوها
للتواصل فيما بينهم ، ونقل أخبارهم الحساسة دون أن
يتمكن الحراس معرفة ما كان يدور داخل الزنزانات،
إلى درجة أن هؤلاء الحراس اعتقدوا أن الجنون قد
أصاب المساجين ، وهو الاعتقاد الذي ساهم بشكل من
الأشكال في تخفيف الوطأة على السجناء .
ويذكر أحد رواد المعتقل بعد الإفراج عنه ، أنه وجد بيئة
أخرى وثقافة غير التي تركوا عليها ، وبدأت تتناهى
إلى أسماعهم كلمات وعبارات لم يفهموا لها معنى ،
واضطروا بسبب ذلك إلى إعادة تشكيل قواميسهم
لتتلاءم مع الوضع الجديد ، بعد أن انقرضت بعض
التعابير التي كانوا يستعملونها في ” تازمامارت “.
كما كان عليهم التكيف مُجدّداً، مع واقع مختلف عن
الذي عاشوا فيه ، قبل عشرين
سنة قضوها داخل هذا المعتقل.
فقد حدثت له مواقف طريفة
وغريبة ، عاشها هؤلاء ومنهم
من اتُّهم بأنه أصبح فاحش
الثراء ويتلقى أموالا طائلة ،
ومنهم من وجد نفسه يتعلم
المشي من جديد، أو يحاول
معرفة أصول الحساب المالي ، المعتمد في زمن ما بعد
” تازما مارت “.
ومن الطرائف التي يحكيها من كتب الله لهم طول
العمر، وخرجوا من هذا السجن أحياء ، أن اختراعا
ابتدعه )صلاح حشاد( ، عندما كان ضيفا بجحيم
” تازما مارت”، حيث استعمل قطعة من علبة سردين
قصديرية، في توجيه بقعة نور إلى زنزانته المظلمة ،
ومع مرور الوقت تمّ تعويض الجزْء القصديري ، بجزْء
مرآة ” مهربة” .
و قد تعممت هذه الفكرة على بقية الزنازين بالسجن،
وبذلك أصبح في مقدور ضيوف تازما مارت رؤية
ما يأكلون وما يشربون ، كما سمحت لهم بقعة النور
الصغيرة من كتابة رسائل إلى أهلهم وأقاربهم خلسة
والاطلاع على رسائل عائلاتهم .

عن إدارة التحرير

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى